منتدى فاطمة الزهراء إدارة شرق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى فاطمة الزهراء إدارة شرق

منتدى تعليمي متميز يفخر به كل مصري


    الشعر والشعراء

    avatar
    PROMISE


    المساهمات : 19
    تاريخ التسجيل : 07/06/2009
    العمر : 30

    الشعر والشعراء Empty الشعر والشعراء

    مُساهمة من طرف PROMISE الإثنين يونيو 15, 2009 12:54 pm

    الشِّعر.. نبضُ فلسطين ووهجُ حلمِها
    سمير عطية



    هو نصل السيف، لكنه من الحروف، وهو لظى الرصاصة، غير أنه من لهيب الكلمات، وهو حنين السطور، وأنين الصدور في آنٍ واحد، اعتنقته القصائد منذ دهور، وعرفته في فلسطين حلمًا ونزفًا، عرفته ألَقًا لا يخنقه دخان الصواريخ، ولا تقضي عليه سكاكين المجازر.

    إنه الشِّعر الذي لا يزال يسجل حضوره في ذاكرة الأجيال هوية لا تندثر، وأملاً لا ييأس أو ينتحر.

    يتوجع بالنكبة، ويعيش في الخيام، لكنه يوقد النار ليهدي السائرين في طريق الشتات الطويل على درب العودة.

    من هنا نبدأ، ومِن قصيدة الشاعرة نبيلة الخطيب نتوقف عند مطالع القصيد:

    زُفَّ النسائمَ..

    عندما تشدو على الزيتونِ

    في الليل العنادلْ..

    فاذا استقام لها القصيدْ

    ورصاصة الصَّياد طارت

    مِن بعيدْ

    واذا رأيتَ الظلَّ يحضنها..

    وتبكيها الجداولْ..

    فاعصر مع الزَّيتونِ قلبي عندها..

    واغمسْ به خبزَ الذين بِلا مَنازلْ

    حين تنزفُ القلوبُ.. قصائد

    في قصيدة الشاعرة فدوى طوقان «لن أبكي»، تجمع في هذا النص الشعري بين الحنين الشعوري، والألم الواقعي، تسجل حضور الصمود رغم التلظي، تستجمع قواها للبكاء، لتجمع الوهج المتناثر من اللهفة والاشتياق، وتفتح دفاتر الذكريات للدموع:

    عَلَى أَبْوَابِ يَافَا يَا أحِبَّائِي

    وَفِي فَوْضَى حُطَامِ الدُّورِ

    بَيْنَ الرَّدْمِ وَالشَّوْكِ

    وَقَفْتُ وَقُلْتُ لِلْعَيْنَيْنِ: يَا عَيْنَيْنْ:

    قِفَا نَبْكِ

    عَلَى أطْلالِ مَنْ رَحَلُوا وَفَاتُوهَا

    تُنَادِي مَنْ بَنَاهَا الدَّارْ

    وَتَنْعِي مَنْ بَنَاهَا الدَّارْ

    وَأَنَّ الْقَلْبُ مُنْسَحِقًا

    وَقَالَ الْقَلْبُ: مَا فَعَلَتْ؟

    بِكِ الأيَّامُ يا دَارُ؟

    أما الشاعر عبد الغني التميمي فكان قريبًا كذلك من زفرات النكبة وأوجاع النكسة، كان قلمه قريبًا من الأنين في حكاية اسمها فلسطين، وهو يُصوّر مشاهد الجراح والقهر، حين تتلوى قصائده في المنافي الممتدة حتى حاضره، يكتب كيف بدأت وكيف صارت على الأرض خيامًا، وفي القلوب نارًا ضرامًا:

    أطحَنُ الخُبــزَ طعـامــا

    أنـا مــن خمسيــنَ عامـا

    ازرعُ الأرضَ خِــيـامـــا

    لم تكُنْ أعينُكُمْ عمياءَ لكنْ تَتَعامَى

    ما فتِئْتُمْ تغرِسونَ اليأسَ وعدًا يَتَنامَى

    فــي مـدى خمسيــنَ عامــا
    حنين ما بعدهُ حنين!!

    لا يمكن القراء والشعراء أن يمروا عن قصائد الحنين إلى الوطن، فهي الحبر الذي تكتب به القصائد، والحروف التي لا تُعرف الكلمات إلا بها.

    إنها الهوية الأولى والأخيرة التي تقول إنَّ الوطن الذي أبعد أبناؤه عنه قسرًا، لا يزال يسكن فيهم صباح مساء.

    وهنا لا بد لكل محب لفلسطين، ومتابع لهذه الأشعار، لا بدّ له أن يتوقف عند هذه القصائد، ولعل من أكثرها عذوبة ورقة وشفافية بعاطفة حارة، ولغة سلسة، ومفردات تحلق بالشوق، هي قصيدة «حنين» للشاعر عيسى العيسى، نراه ينفث أناته في هذه المقطوعة الرائعة:

    بُلبُل الرَّوْض لَم ينمْ

    هاجَـهُ ذِكـــْر إلْفــــــِه

    حَيَّر السَّفـح والرُّبــا

    كــلَّمـــــــــا أنَّ أنَّـــــــــةً

    أوْ بَكى فَوْق أيْكَــــــةٍ شَفَّــــــه الوجد والأَلــــَمْ

    إذْ دجــا اللَّيْل وادْلَهـــمّ

    أقْلَــــق الــــدَّوح والأكَــــمْ

    قلْـبــُه المثخـَن اضْطَـرمْ

    أرْسـَل الدَّمْـــعَ وهْــــو دَمْ

    ويحمل الفلسطيني حلمه على ظهره، وتتوزع بهم جغرافيا الألم، ومنفى القهر، كيف لا والحنين إلى الوطن في السرّاءِ يُدمعُ العين، ويبكي القلب، فكيف إذا كان حنين المفجوع بأهله ووطنه وأحبته، وذكرياته في أجمل الأوطان، وأغلى البلدان؟!

    ويأخذ الحنين شكلاً آخر عند الشاعر حسن البحيري الذي يشتاق شوقًا عظيمًا إلى حيفا، ويتذكر حياته فيها، ويخاطب مدينته في لغة غزلية رقيقة:

    ما أَشرقتْ عينــــاكِ إلاَّ خْانــني

    وتَحسَّستْ كفّايَ من أَلم الجـــوى

    وذكرتُ من عُمر النعيم مَضـــاءه

    والعيْشُ بُسْتانٌ وبَسْمــــةُ ســـعــــدهِ

    والنجم يَسحبُ من مَشارفِ اُفْقهِ

    عينٌ رأيتُ بِسْحرِها وفُتونهــا

    ولمحتُ بين سوادِها وبياضها

    بصَبابتي صبري وحُسْنُ تجملي

    سهمًا مغارسُ نَصْلهِ في مقتلــي

    بِصبًا على رُودِ الليالي مُعْجَــلِ

    فجرٌ بأفـــراحِ المشــارق يَنجلـي

    ذيلَ الإباءِ إلى مَشارِفِ مَنزلي

    أحلامَ عَهْدٍ بالصَّفـــــــاءِ مُظلّلِ

    ظِلَّ الصَّنَوْبَرِ في أعالي الكَرْمل

    ويتضح من هذه الأبيات كم هي اللّهفة على الوطن الذي غاب عن العين، وما غاب عن القلب، وكيف يصبح الوطن أجمل القصائد، وأغلى الأحبة، وهذا يجعلنا نمشي قريبًا من الدروب التي يعيش فيها الوطن.. في قلب الشاعر يحيى برزق الذي اغترب قبل نكسة حزيران، ولم يستطع العودة إلى وطنه في مدينة غزة.. وهذا يؤكد أن الجرح واحد، وأنّ الوطن واحد، والأمل بالعودة واحد أيضًا، سأترك القارئ العزيز يُحلّق في فضاء هذه القصيدة المتعبة بالحنين، والمثقلة بالاشتياق.. وإذا كنت أخي القارئ تودُّ أن تعرف كيف يُتعب الحنينُ صاحبَه، فاقرأ معي قصيدة «حنين» للشاعر يحيى برزق:

    يا قلب مالَكَ في الحـــوادثِ كُلَّمـا

    فمضيتَ تَخْفَقُ في الأضالعِ لاهثًا

    فأنا ابنُ أرض بالربيـعِ تَدَثّــــَرتْ

    أرضٌ ســرى فيها النَّبـــيُ مُحَمَّدٌ ذُكرَ الحمى خلْتَ الوجودَ جهنَّما

    متهدمًا تشكــــــو مُصابك للسَّمـــا

    وَغَدَتْ لأطيـــــارِ الخمائِلِ مَوْسِما

    لَّما غَدَتْ نحـــو الكواكبِ سلَّمـــــــا

    هذا الكم الهائل من الحنين الشعري لم ينضب عند الأجيال التي وُلدت في الشتات، ومنافي الاغتراب، بل إنّ الحكاية ترتسم في أشعارهم من جديد، ينزفون الألم، ويتابعون مسيرة الحنين رغم أنهم ولدوا من رحم الهجرة..

    الكفُّ حينَ تواجهُ المخرز

    تعود حكاية المخيّم واللجوء، بشكل آخر وبوجهٍ مختلف، إنه الصمود والثبات، والتمسك بالأمل، والصبر على الجراح، والإثخان في جسد الليل الذي طالما سدد سهامه في صدور أحبتنا، هذه بعض صور العديد من المحطات التي مرت بالشعب الفلسطيني، ومرّ بها هذا الشعب، ولم تكن انتفاضة الأقصى إلا واحدة منها. فهنا الشاعر خالد سعيد يحكي عن «ملحمة مخيم جنين»، وهو يعيش بالقرب منه، ويتابع أفراحه وأتراحه عن كثب. ينقل لنا مشهدًا للكف التي تقاوم المخرز، وكيف سطروا بدمائهم فصلاً من أجمل الحكايات العالمية، حكاية الجرح الملتهب بالمقاومة:

    هلْ جاءَكمْ نبأُ المخيَّمِ حينمــــــــــا

    والطائراتُ منَ السَّماءِ لهيبُهــــــا

    قَلَبتْ صواريخ ُ اليهـــود مُخيّمـــي

    دولُ العــــــروبةِ ستـــةٌ أيامُهــــــــــا

    ما ظلَّ في الدنيا نعيمٌ يُشتهـــــــى

    لولا انتظارُ النصرِ منْ ربِّ الورى

    اقتحمَ العدوُّ بكلِّ ويلٍ يهجُمُ

    والأرضُ دبّاباتُها تتقَحَّمُ

    بركانَ نارٍ باللَّظى يتجحَّمُ

    ومخيمُ الشهداء لا يستسلمُ

    من بعدكم فالشهد مرٌّ علقمُ

    ما كانَ في هذي المعيشةِ مغنَمُ

    وهو ما يكتبه الشاعر صبحي ياسين حبرًا على السطور، فنجد صداه زلزالاً في الدروب والصُّدور، يعلن الصمود، ويحفز الهمم، ويسخر من المحتل وجرائمه التي لن تزيد شعبه إلا ثباتًا وإيمانًا وتضحيات:

    شموعُ الأرضِ يا جلادُ لا تركعْ

    وإنْ تَفْقَأْ عيونَ الطفلِ أو تَقلعْ

    فَخُذْ ما شِئْــتَ مــــن جسدي

    وَكُلْ ما شِئتَ مـن كَبِدي

    ومَزِّقْ طفلَنا إن شئتَ بالمدفــعْ

    فلـــن نـــركـــــعْ

    فــإنْ مَــرّتْ جَحافِلُــكـمْ

    وإنْ زَخّــتْ قَنابِلُكـمْ

    وإنْ ضاقـتْ زَنازِنُكـمْ

    فلـن «نَمْشـــــي» علـــى أربعْ

    ولـــن نـركـــعْ

    لم يزلْ مفتاحُ بيتي في يدي

    هذا الفصل من ملحمة الصمود، التي نقلت مخيمات اللجوء من مخيمات تأوي الذكريات المضمخة بالجراح إلى واقع جديد يروي البداية الجديدة للنصر وارتفاع الراية..

    وهنا «أبو سلمى» يعلن نداء العودة، وإذا مرت الايّام ولم يتحقق في حياته، فإنّ الغد الآتي سيحمل بين ضلوعه أجمل فجر، وأكرم عودة، على وهج الرصاص، ودم الصمود:

    ويسألني الرِّفاقُ ألا لقاءٌ

    وهلْ منْ عودةٍ بعدَ الغيابِ

    أجلْ.. سنقبِّلُ التُّربَ المندَّى

    وفوقَ شفاهِنا حمرُ الرَّغابِ

    غدًا سنعودُ والأجيالُ تُصغي

    إلى وقعِ الخطى عندَ الإيابِ

    نعودُ مع العواصفِ داويات

    مع البرقِ المقدَّسِ والشِّهابِ

    ونحنُ الثائرينَ بكلِّ أرض

    سنصهرُ باللَّظى نيرَ الرِّقابِ

    وهنا يجيء البيان الشعري، وتلقي القصائد على أسماعنا نشيد التمسك بالوطن، ويعلن الغائبون أنّ مفتاح البيت لا يزال في أدراج القلوب، وخزانات الصّدور، قبل أن يرفعوه أمام العالم، وهم يقبضون بأكفهم عليه بكل ما يملكون من حنين:

    لم يَزَلْ مِفتاحُ بيتيَ في يدي

    لم أزَلْْ أحضُنُ ذكرى بلدي

    ما عرفتُ اليأسَ – يا جلاّدُ – يومًا

    هذه آلاتُك اشْحَذْها.. وهذا جِلْدي

    لم تَزَلْ روحي تحيا أملاً

    وسياطُ القهرِ تشوي جَسدَي

    مُذْ عرفتُ اللهَ لَمْ أضعُفْ لمخلوقٍ ولا

    أرتَجي من غيرِ ربّي مَدَدي

    أيها القاتلُ يومي بُؤْ بِهِ

    أنتَ لا تقوى على قتلِ غدي

    هي صرخة الأديب، ونبض المتمسك بأرضه ووطنه، مفادها أنك أيها المحتل لن تقوى على قتل غدي، هكذا يرسم الشعر صورة الأمل، ويعلن في القلوب أذان الثقة بالنصر القادم، والعودة الكريمة إلى كل مكان، يشتاق أهله، ويهفو إلى أصحابه الحقيقيين. من غيّب نهارَهم الليلُ، ويعودوا اليوم ليبشروا بالصباح الجديد.

    تماما كما صاغ هارون هاشم رشيد أناشيد العودة إلى الديار منذ سنوات طويلة، يرددها في جغرافيا القصائد الممزقة بين الوجع والصمود:

    إِنَّنَا لَعَائِدُونْ

    عَائِدُونَ لِلدِّيَارْ

    لِلسُّهُولِ لِلْجِبَالْ

    تَحْتَ أَعْلامِ الْفَخَارْ

    وَالْجِهَادِ وَالنِّضَالْ

    بِالدِّمَاء وَالْفِدَاء

    وَالإِخَاءِ وَالْوَفَاءْ

    إِنَّنَا لَعَائِدُونْ♦️



    تتهاوى أسقُفُ العِزّةِ للأرضِ حُطامَا

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 2:13 pm